سورة المرسلات - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المرسلات)


        


{وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا (1) فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا (2) وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا (3) فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا (4) فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا (5) عُذْرًا أَوْ نُذْرًا (6)}
أقسم سبحانه بطوائف من الملائكة، أرسلهنّ بأوامره فعصفن في مضيهن كما تعصف الرياح، تخففاً في امتثال أمره، وبطوائف منهم نشرن أجنحتهن في الجو عند انحطاطهن بالوحي. أو نشرن الشرائع في الأرض. أو نشرن النفوس الموتى بالكفر والجهل بما أوحين، ففرّقن بين الحق والباطل، فألقين ذكراً إلى الأنبياء {عُذْراً} للمحقين {أَوْ نُذْراً} للمبطلين. أو أقسم برياح عذاب أرسلهن. فعصفن، وبرياح رحمة نشرن السحاب في الجوّ ففرّقن بينه، كقوله: {وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً} [الروم: 48]، أو بسحائب نشرن الموات، ففرّقن بين من يشكر لله تعالى وبين من يكفر، كقوله: {لأسقيناهم مَّاءً غَدقاً لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} [الجن: 16] فألقين ذكراً إمّا عذراً للذين يعتذرون إلى الله بتوبتهم واستغفارهم إذا رأوا نعمة الله في الغيث ويشكرونها، وإما إنذاراً للذين يغفلون الشكر لله وينسبون ذلك إلى الأنواء، وجعلن ملقيات للذكر لكونهن سبباً في حصوله إذا شكرت النعمة فيهن أو كفرت.
فإن قلت: ما معنى عرفاً؟ قلت: متتابعة كشَعَر العرف يقال: جاؤا عرفاً واحداً؛ وهم عليه كعرف الضبع: إذا تألبوا عليه، ويكون بمعنى العرف الذي هو نقيض النكر؛ وانتصابه على أنه مفعول له، أي: أرسلن للإحسان والمعروف؛ والأول على الحال. وقرئ {عرفا} على التثقيل، نحو نكر في نكر.
فإن قلت: قد فسرت المرسلات بملائكة العذاب، فكيف يكون إرسالهم معروفاً؟ قلت: إن لم يكن معروفاً للكفار فإنه معروف للأنبياء والمؤمنين الذين انتقم الله لهم منهم.
فإن قلت: ما العذر والنذر، وبما انتصبا؟ قلت: هما مصدران من أعذر إذا محا الإساءة، ومن أنذر إذا خوّف على فعل، كالكفر والشكر، ويجوز أن يكون جمع عذير، بمعنى المعذرة؛ وجمع نذير بمعنى الإنذار. أو بمعنى العاذر والمنذر. وأما انتصابهما فعلى البدل من ذكراً على الوجهين الأوّلين أو على المفعول له. وأما على الوجه الثالث فعلى الحال بمعنى عاذرين أو منذرين. وقرئا: مخففين ومثقلين.


{إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ (7) فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (8) وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ (9) وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ (10) وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ (11) لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ (12) لِيَوْمِ الْفَصْلِ (13) وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ (14) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (15)}
إن الذي توعدونه من مجيء يوم القيامة لكائن نازل لا ريب فيه، وهو جواب القسم، وعن بعضهم: أن المعنى: ورب المرسلات {طُمِسَتْ} محيت ومحقت. وقيل: ذهب بنورها ومحق ذواتها، موافق لقوله (انتثرت) و(انكدرت) ويجوز أن يمحق نورها ثم تنتثر ممحوقة النور {فُرِجَتْ} فتحت فكانت أبواباً. قال الفارجي: باب الأمير المبهم {نُسِفَتْ} كالحب إذا نسف بالمنسف. نحوه {وَبُسَّتِ الجبال بَسّاً} [الواقعة: 5]، {وَكَانَتِ الجبال كَثِيباً مَّهِيلاً} [المزمل: 14]، وقيل: أخذت بسرعة من أماكنها، من انتسفت الشيء إذا اختطفته وقرئت {طمست} وفرجت ونسفت مشدّدة. قرئ {أقتت} ووقتت، بالتشديد والتخفيف فيهما. والأصل: الواو ومعنى توقيت الرسل: تبيين وقتها الذي يحضرون فيه للشهادة على أممهم. والتأجيل: من الأجل، كالتوقيت: من الوقت {لاِيِّ يَوْمٍ أُجّلَتْ (12)} تعظيم لليوم، وتعجيب من هوله {لِيَوْمِ الفصل (13)} بيان ليوم التأجيل، وهو اليوم الذي يفصل فيه بين الخلائق. والوجه أن يكون معنى وقتت: بلغت ميقاتها الذي كانت تنتظره: وهو يوم القيامة. وأجلت: أخرت.
فإن قلت: كيف وقع النكرة مبتدأ في قوله: {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ (15)}؟ قلت: هو في أصله مصدر منصوب سادّ مسدّ فعله، ولكنه عدل به إلى الرفع للدلالة على معنى ثبات الهلاك ودوامه للمدعو عليه. ونحوه {سلام عَلَيْكُمُ} [الأنعام: 54]، ويجوز: ويلا، بالنصب؛ ولكنه لم يقرأ به. يقال: ويلا له ويلا كيلا.


{أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ (16) ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآَخِرِينَ (17) كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (18) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (19)}
قرأ قتادة {نهلك}، بفتح النون، من هلكه بمعنى أهلكه، قال الحجاج:
وَمَهْمَهٍ هَالِكِ مَنْ تَعَرَّجَا ***
{ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ} بالرفع على الاستئناف، وهو وعيد لأهل مكة يريد: ثم نفعل بأمثالهم من الآخرين مثل ما فعلنا بالأولين، ونسلك بهم سبيلهم لأنهم كذبوا مثل تكذيبهم، ويقويها قراءة ابن مسعود {ثم سنتبعهم} وقرئ بالجزم للعطف على نهلك. ومعناه: أنه أهلك الأولين من قوم نوح وعاد وثمود، ثم أتبعهم الآخرين من قوم شعيب ولوط وموسى {كَذَلِكَ} مثل ذلك الفعل الشنيع {نَفْعَلُ} بكل من أجرم إنذاراً وتحذيراً من عاقبة الجرم وسوء أثره.

1 | 2 | 3